الاثنين، 17 يونيو 2013

في تونس كل شيء جميل


تونس ... ليس من رأى كمن سمع.
لاشيء يشبه تونس، في تونس تشعر أنك في بوابة الغرب وفي تونس تشعر أنك في بوابة الشرق. في تونس، ليس لدينا في الحقيقة تفسير علمي لما يحدث، ولكننا نعتقد أن جمال تونس يجعلك تشعر أنك قادر على التحليق. في تونس تأخذك آثار الحضارات القديمة بعيدا وتوغل بك في التاريخ وما قبله وفي تونس تستوقفك معالم الحداثة لتدخلك في حالة ذهول وارتباك ذهني وعجز عن فهم جداول المقارنة بين الماضي والحاضر.
في تونس كل شيء جميل، في تونس تعجز فعلا عن وضع علامة "إيكس" أمام اسم مكان ما، على أنه الأجمل. في تونس تحتار في الاختيار بين أن تعيش هدوء الليل أو تتمتع بشمس النهار. في تونس، لا الشمال يضاهي الجنوب جمالا ولا الجنوب يضاهي الشمال حسنا... في تونس، عندما تواكب شروق الشمس وأنت في غابات طبرقة وجبالها على ضفاف المتوسط الجنوبية بأقصى شمال البلاد ستكتشف حتما أنك لم تر الشمس تشرق من قبل، وعندما تواكب شروق الشمس من وراء كثبان الرمال في توزر جنوبا ستتأكد حينها أن الشروق جغرافيا وليس دورة فلكية، وتتمنى أنه لو كان بالإمكان أن تتواجد في المكانين معا.
 عندما تقضي عطلة نهاية أسبوع في العاصمة تونس ستقتنع أن التاريخ لم يوجد لنقرأه فحسب بل يمكن أن نراه ونلمسه حتى. سيخبرك متحف باردو عبر مجموعة الفسيفساء الرومانية عن الحقبة التاريخية بين ناقص 2 إلى زائد 6 ميلادي و سترى في ذات المتحف تجسيما للإله نبتون والإله أبولو والشاعر فرجيل  "Publius vergilius maro " وسوف تفخر بشدة لأنك شاهدت أكبر مجموعة فسيفساء في العالم، وستشعر فعلا أنك عشت للحظات في زمن غير زماننا. إذا لم تتح لك فرصة زيارة كل المناطق الأثرية في تونس، لا بأس، ابحث عن المناطق الأثرية التي لم تزرها والحقب التاريخية التي لم تحض بمشاهدة معالمها في أجنحة متحف باردو، نعم، ستجد قاعة دقة وقاعة قرطاج الرومانية وقاعة سوسة وقاعة المهدية ستجد قاعة الفسيفساء المسيحية وحتى قاعة العالم العربي نعم هو كذلك، فمتحف باردو من المتاحف القليلة في العالم ولعله الوحيد الذي يختزل الزمان والمكان معا. ستجد الكثير في متحف باردو وستكتشف حتما أني حدثتك عن الجزء وتركت الكل.
عندما تتجول في مدينة تونس العتيقة، تلك المدينة التي تأسست حول جامع الزيتونة في العام 698 ميلادي وتجوب أزقتها الضيقة وتتأمل في شرفات المنازل والأسواق المغطاة وطبيعة المعمار ستفقه المعنى الكامل لتلاقح الحضارات وتدرك أن منظمة اليونسكو كانت على حق عندما صنفت هذه المدينة  ضمن لائحة مواقع التراث العالمي لليونسكو. وإن صادف ودخلت جامع الزيتونة الذي شيد في القرن الأول للهجرة على مساحة نصف هكتار ستقر بأن لتاريخ العلوم الإسلامية عنوانا اسمه جامع الزيتونة (أول جامعة إسلامية في العالم). سترى في عظمة المبنى حسان بن النعمان وعبيد الله بن الحبحاب لأن الأول أمر ببنائه والثاني قام بإتمام عمارته، وستنبئك هيبة المكان بجدارة جامع الزيتونة بإنجاب أمثال المؤرخ ابن خلدون وابن عرفة والشيخ عبد العزيز الثعالبي والشاعر أبو القاسم الشابي وغيرهم من أعلام تونس.
سوف تبهرك الأسواق العتيقة المغطاة والأزقة الطويلة الضيقة ونوافذ المنازل المزركشة بالحديد المطروق وسوف تختلط رائحة البخور بأنواع الأطعمة والحلويات المعروضة ورائحة البن وما يتخللها من روائح نوار الياسمين والفل بأشجاره المعلقة بالجدران العتيقة وتعتقد للحظة أنك بالفعل تشتم رائحة هواء القرن الأول للهجرة ويتأكد ذلك في ذهنك عندما تصادف صناعات تقليدية وحرفيين مهرة يمارسون مهنا يرجع تاريخها لقرون خلت. في تونس كل شيء جميل، ستفاجئك أبواب تونس، نعم، لكل مدينة باب ولمدينة تونس العتيقة أبواب، سترى باب البحر وباب قرطاجنة وباب سويقة وترى باب بنات وباب منارة وباب الجديد وباب الجزيرة وباب العلوج وباب سيدي عبد السلام ويبهرك شموخ باب سعدون صامدا وكأنه ينظم المرور ويوجه مستعملي الطريق. وسوف ترى باب العسل وباب الخضراء وباب سيدي عبد الله الشريف وباب سيدي قاسم الجليزي وباب القرجاني وباب الفلة وباب عليوة. سوف تبهرك الأسواق والساحات العتيقة والصبية يبيعون "مشموم الفل" لتتوزع رائحة الفل وعبق عطر نوار الياسمين رمز الضيافة والحب في تونس بين المارة على الأرصفة وركاب السيارات عند إشارات الوقوف، وسوف تدرك حينها أنك تسير بين أحفاد قوم صنعوا التاريخ وتنتبه لمن حولك من المارة لترى وجوها بشوشة وقوما كأنك تعرفهم من زمان، عندها ستشعر بمزيد من الأنس لأنك في تونس.
                                                                 محسن لافي...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق